Sep 26, 2023

آفاق الفن متعدد التخصصات: رحلة داخل العقل المبدع لطارق عبد القوي

أجرت الحوار المنتجة ريم خليفة من چيرافيكس.

نواصل الغوص في عقول فنانينا المبدعين، ولقاء هذا الشهر مع الفنان طارق عبد القوي، مصمم الجرافيك والرسام الذي أكسبته أعماله الجذابة شهرة ورواجًا قل مثيلهما في السوق.

شكل طارق عبد القوي -الفنان الحائز على الجوائز- إضافة إبداعية لفريق عمل فيلم مشكلات الطوطم الخاص بشركة ديزني، حيث كان فنان المفاهيم الرئيسي (Leading Concept Artist) للبصريات المستوحاة من الثقافة الإفريقية في الفيلم القصير. اشتهر طارق بأعماله زاهية الألوان المفعمة بالحيوية، وقد استطاع حفظ التوازن بين الألوان والأنماط والروح فأنتج تصورًا نموذجيًا للشخصيات وبيئتها. وفيما يلي حوار معه يحوي مزيدًا من التفصيل حول تجربته.

١- كيف تؤثر مجالات إبداعك المختلفة (مثل الموسيقى والفنون البصرية والتدريس) على بعضها، وكيف تؤثر على رحلتك الفنية بشكل عام؟ 

نادرًا ما أتناول وسيطًا دون استكشاف تأثيره على غيره. فلطالما فتنتُ بأوجه التشابه بين مجالات تبدو مختلفة ظاهريًا، وأعتقد أننا -نحن البشر- قد نسينا أن الأشياء جميعًا ترتبط ببعضها، أو لعل اعتيادنا عليها يمنعنا من رؤية تلك الروابط الممتدة بين كل شيء، بدءًا مما يكمن داخلنا وحتى الآفاق اللانهائية للكون. وبينما قد تحتاج العبارة السابقة إلى بعض إسهاب وتبسيط وشرح، فإني أرى العلاقة بين الموسيقى والفنون البصرية علاقة بسيطة وغالبًا ما تكون أكثر مباشرة. وهكذا، أجد من الطبيعي خلال تدريس إحداهما أن أشير إلى الأخرى، بل أجده ضروريًا لتقديم الأفكار بوضوح ودون حصرٍ لتجلياتها في شكل واحد.

٢- هلا شاركتنا بعض الأفكار حول تداخل الموسيقى والفنون البصرية، والكيفية التي يعزز بها هذا الامتزاج صوتك الإبداعي؟

كثيرًا ما يتخلل نقاشي مع زملائي حول مقطوعة موسيقية نعمل عليها نوعٌ من المقارنات بين التغيرات الديناميكية للموسيقى والمناظر الطبيعية، مثل انهيار أرضي غير متوقع أو انكشاف مفاجئ للشمس بين سحاب كثيف قاتم، أو نعومة أشعة الضوء المتسللة من بين أشجار الغابة العالية. وبفضل هذه الصور لا تغدو الموسيقى مجرد سلسلة من النغمات، بل تصبح أقرب إلى صورة عضوية للحياة. يمكنني ضرب مثال آخر بأحد المساحات التي صممتها في فيلم "مشكلات الطوطم" من مجموعة كيزازي موتو الخاصة بديزني+، كانت تلك المساحة قاعة احتفالية واسعة يتوسطها ما يشبه شلال طويل. وخلال العمل على هذه المساحة، فكرت في تصميم العناصر التي ستخدمه جماليًا وتنتج في الوقت نفسه نوعية الأصوات التي ستشكل القاعدة الأساس للموسيقى التصويرية. وهكذا لن يمتزج الصوت بالصورة، ويغدو مكان سير الأحداث أكثر واقعية وتماسكًا.

٣- اذكر لنا بعض التحديات التي تواجهك عند محاولة تحقيق التوازن بين مجالاتك الإبداعية المختلفة؟

هناك طبيعة النظرة إلى الوقت، وتأثيره علينا وعلى مراحل تطورنا. ففي زمننا هذا، قد نجد في أنفسنا رغبة لحوحه في الوصول إلى مكانة معينة. وللأسف، قد يتسبب ذلك في إلهاء يعطلنا عن الرحلة، خاصة عندما تكون مساعينا مدفوعة بالخوف والأنا، لا الرغبة في الاستكشاف والتعرف على العجائب والجمال المتأصل في الكون. كما أن هناك تحدٍ يتعلق بالقوالب التي يضعنا فيها الآخرون. على سبيل المثال، في حالتي أنا، يُتوقع مني بعض الناس لعب دور معين لا غير. قد يكون ذلك عازف جيتار، أو خطاط أو فنان مفاهيم أو مهندس معماري. أعتقد أن الحرص على موافقة رغبات الجميع لا بد أن يخيب الآمال إن عاجلًا أو آجلًا لمجموعة أو أخرى، ناهيك بآمالي الشخصية بالطبع. وقبل كل ذلك، سيكون ذلك عمل يفتقر إلى الأصالة والصدق.

٤- ما أشد جوانب التدريس والتوجيه إمتاعًا؟ وما نصيحتك للطامحين في سلك مسار وظيفي مماثل؟

من الممتع مساعدة الآخرين في اكتساب رؤيتهم الفريدة، ومنحهم فرصة صنع شيء ما، سواء للمتعة الشخصية أو لصالح البيئة المحيطة. ونشر مثل هذه الطاقة الكاشفة هو ما يجعلني أشعر بقيمتي في العالم. أما نصيحتي الرئيسية لمن على وشك البدء ولأي شخص بوجه عام: تعلم من الأساتذة - وأعني الأساتذة الذين تختارهم أنت. وبمرور الوقت ستتطور مهاراتك وتتجاوز هؤلاء الذين تكن لهم الاحترام، وتقترب من فهم رؤيتك الخاصة وتحقيقها. ولتحاول على الدوام التوصل إلى فهم أعمق لذاتك.

٥- هل واجهت مسيرتك المهنية تحديات إبداعية، وكيف تغلبت عليها؟

كان التحدي الأكبر الذي واجهته أكثر من مرة هو إقناع زملاء الفريق برفض الحلول السهلة والسعي نحو التفرد، وعادة ما أتغلب عليه بالعرض المقنع للأفكار. إذ أمضي ساعات إضافية لإنشاء عرض توضيحي لرؤيتي. ويكشف هذا للجميع لمحة عما يمكن تحقيقه، وتكون ردة الفعل عادةً "آه الآن فهمت!". وحينئذ يدب فيهم الحماس ويقتنعون.

٦- إن كنت لتتخيل مشروع أحلامك الجامع بين فن المفاهيم والإخراج الفني والموسيقى، كيف ستكون أجوائه؟

فيلم تنغمس فيه. سيكون أشبه بخلق مساحة أو حياة بديلة للمشاهد، محاولة لتحقيق أحلام الجميع، حيث يمكن للمشاهد اختيار ما يشاء، سيكون حر في متابعة الخط الرئيسي أو التجوال بحرية في الأرجاء الشاسعة.

٧- ما نصيحتك للفنانين والمبدعين الطامحين والساعين إلى الموازنة بين الفن والموسيقى والتدريس في مسارهم المهني؟

إياكم والاستسلام للخوف من عدم تحقيق مكانة مرجوة ما، لأن الاستمتاع بمختلف التخصصات قد يؤثر على تطورك فيها.

٨- في رأيك، كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على دور فنان المفاهيم؟

الذكاء الاصطناعي أداة تستحق الاستكشاف. نعم، قد يغني تلك التقنية البعض عن الاستعانة برؤوسكم وقلوبكم وأيديكم، ولكن، أقولها ثانية، هذه هي الطبيعة المحزنة للعديد من التطورات التكنولوجية الهادفة إلى توفير مزيد من الراحة لنا؛ فإذا بها تضعف مهاراتنا في كثير من النواحي، وتزيدنا انفصالًا عن الطبيعة والحقيقة. هكذا كان الحال مع التلفزيون والإنترنت على سبيل المثال. لكن بمرور الوقت، يصبح الجدل حول الفوائد والأضرار زائدًا عن الحاجة وعديم الفائدة نسبيًا، حيث يصبح الشيء المعني جزءًا لا يتجزأ من حياتنا العامة ولا مفر منه تقريبًا.

٩- كيف تحمي حقوقك الفكرية وأعمالك الأصلية في عصر الذكاء الاصطناعي؟

 في هذه اللحظة، لا أفعل شيئًا! فلا أميل عامة إلى التفكير كثيرًا في هذا الأمر. سواء كان ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي أم لا، فإن عرض أعمالنا -وأنفسنا- عبر الإنترنت يعرضنا للخطر بلا شك. ومع ذلك، نقول جميعًا إننا "قرأنا شروط الإتفاق" و"وافقنا عليها". كل ما نقوم به على الإنترنت يخضع للتعقب، بصورة لا شك أنها لن ترضينا. ولهذا السبب لا يقلقني هذا الموضوع على الإطلاق، فلن يمنعني ذلك كله من مواصلة الإبداع على نحو ممتع ومثرٍ روحيًا لي.

١٠- ما أكبر عقبة واجهتك خلال العمل على "مشكلات الطوطم"؟

إعادة توجيه طاقتي لخدمة الرؤية الإبداعية المحددة للفيلم، والتخلي عن أي تصورات مسبقة لدي حول الفيلم سواء على مستوى الشكل أو الشعور. ففي مثل هذه المواقف قد يجد المرء نفسه مدفوعًا إلى إثبات وجهة نظره أو تنفيذها، في حين يتوجب عليه المشاركة بصورة بناءة في الصورة الأكبر.

١١- كيف ستؤثر تجربتك مع "مشكلات الطوطم" على مقاربتك المستقبلية لفن المفاهيم (Concept Art)؟

لا شك أنني ازددت وعيًا بطريقة سريان العمل في المشاريع الضخمة. ربما لن أتمكن من تحديد كل ما استفدته في الوقت الحالي ولعلي لست مدركًا لمدى تأثير ذلك على مقاربتي للمشاريع المستقبلية، لكني واثق أن ما تعلمته في هذه التجربة سيثمر في حينه.

١٢- ما تقييمك لتجربتك مع فيلم "مشكلات الطوطم"؟

تجربة ثرية وملهمة. كما أقدر -بلا شك- المساحة التي منحها لي المخرج الفني أحمد جمال عرفة. على سبيل المثال، إذا كلفت بتصميم مبنى فإني أتخيلني متجولًا داخل المبنى وخارجه وحوله؛ أستمع إلى ما يصدر هناك من أصوات، وأبتكر قصصًا عما يجري هناك. ومثل هذه الأفكار لن تظهر بالضرورة في التصميم النهائي بشكل واضح، لكنها تساعدني في بلوغ غايتي، إلى جانب ما تضيفه من إمتاع على وقتي خلال العمل!

١٣- هلا حدثتنا عن مصادر استلهمت منها مفاهيمك الفريدة في أحد المشاريع؟

فيليب جلاس! وهذه مساحة أخرى تتشابك فيها الموسيقى والبصريات في عالمي: بينما يمكن لمصدر الإلهام الصريح في مشروع مثل هذا أن يكون بعض المراجع البصرية من سياقات ذات صلة، إلا أن الموسيقى كانت عندي على الدوام مصدر الإلهام المختلف وغير المباشر. إن تأثير الموسيقى علي في مثل هذه السيناريوهات يشبه إلى حد كبير وخز الجلد بالإبر لجعله أكثر حساسية للمحاليل. والموسيقى التي استمع إليها أثناء العمل -وقد يستغرق اختيارها أحيانًا فترة من الوقت- تفتح شيئًا بداخلي. يمكننا القول -مجازًا- أنها تفتح مسام عقلي، وعند هذه النقطة أجدني أعمق فهمًا للمراجع البصرية. علاوة على ذلك، تمكني هذه الطريقة من التعمق داخل نفسي واستخراج أفكار كانت كامنة هناك. ففي كثير من الأحيان تنبع أفكاري من مساحة ما في داخلي. أعتقد أن التعمق في النفس يربطني بشبكة إبداعية واسعة وأثيرية تحكم جميع المساعي الإبداعية. وموسيقى فيليب جلاس عندي هي ما يمكّنني عادةً من إنشاء هذا الارتباط الرائع.

قد يرى البعض الحياة أحجار بناء منفصلة مكدسة فوق بعضها، لكن الحياة والفن -من وجهة نظر طارق عبد القوي- أشبه باندماج لعناصر وقنوات مختلفة تلتقي أحيانًا في منتصف الطريق. وخلال لقائنا هذا، ألقينا نظرة على النهج التفاعلي الذي يمزج به عقل طارق بين الوسائط مختلفة.


تلخيصًا لهذا اللقاء، بدأ اللقاء مع طارق عبد القوي بالحديث عن تنقله بين الوسائط الإبداعية المختلفة. فهو يرى الروابط الممتدة بين التخصصات، ويبهره حضورها الدائم وتعقيدها الذي يشكل نسيجًا مبدعًا وخلاق. لكن مع مثل هذا الشغف الذي يدفعه إلى الغوص في مختلف المجالات الإبداعية، يصعب توفير الوقت أمرًا صعبًا. يرى طارق أن أفضل حل لتلك المشكلة هو تنظيم الوقت وتحديد الأدوار ذات الأولوية، وإلا غدونا ضحايا لتوقعات الناس المستحيل تنفيذها جميعًا، ناهيك بخسارة ما نريد فعله حقًا. لا يكتفي طارق بممارسة الفن، إذ يمتهن تدريسه أيضًا، ويستمتع بمساعدة طلابه في تطوير أسلوبهم ورؤيتهم الخاصة. وبالطبع، ما كنا لنفوت الفرصة للحديث عن عالم الذكاء الاصطناعي، لكن من الواضح أن طارق لا يخشى ذلك كثيرًا. فرغم اعترافه بأنه يجعلنا أكثر انفصالًا واعتمادية، إلا أنه سرعان ما سيصبح جزءًا لا يتجزأ من أسلوب حياتنا، لذا فهو يستحق الاستكشاف والتوظيف. بعد ذلك انتقلت دفة الحديث إلى "مشكلات الطوطم"، وقد أبدى طارق -فنان المفوم الرئيسي في الفريق- اهتمامًا كبيرًا بالتفاصيل، حيث أنتج تصميمات تموج فيها الحياة. وقد كافح في البداية للعمل وفق الرؤية المحددة للفيلم، وتجاهل أفكاره وانطباعاته المسبقة. وقد ساعد هذا في رفع وعيه بما تستلزمه مثل هذه المشاريع الضخمة، كما أفاده بطرق ستظهر ثمرتها في مشاريعه المستقبلية. أخيرًا، كشف لنا طارق عن مصدر الإلهام في أعماله، ألا وهو موسيقى فيليب جلاس، قائلًا إنها "تفتح مسام دماغه" وتساعده على الغوص داخل "شبكته الإبداعية الداخلية" والتواصل معها.



نواصل الغوص في عقول فنانينا المبدعين، ولقاء هذا الشهر مع الفنان طارق عبد القوي، مصمم الجرافيك والرسام الذي أكسبته أعماله الجذابة شهرة ورواجًا قل مثيلهما في السوق.

شكل طارق عبد القوي -الفنان الحائز على الجوائز- إضافة إبداعية لفريق عمل فيلم مشكلات الطوطم الخاص بشركة ديزني، حيث كان فنان المفاهيم الرئيسي (Leading Concept Artist) للبصريات المستوحاة من الثقافة الإفريقية في الفيلم القصير. اشتهر طارق بأعماله زاهية الألوان المفعمة بالحيوية، وقد استطاع حفظ التوازن بين الألوان والأنماط والروح فأنتج تصورًا نموذجيًا للشخصيات وبيئتها. وفيما يلي حوار معه يحوي مزيدًا من التفصيل حول تجربته.

١- كيف تؤثر مجالات إبداعك المختلفة (مثل الموسيقى والفنون البصرية والتدريس) على بعضها، وكيف تؤثر على رحلتك الفنية بشكل عام؟ 

نادرًا ما أتناول وسيطًا دون استكشاف تأثيره على غيره. فلطالما فتنتُ بأوجه التشابه بين مجالات تبدو مختلفة ظاهريًا، وأعتقد أننا -نحن البشر- قد نسينا أن الأشياء جميعًا ترتبط ببعضها، أو لعل اعتيادنا عليها يمنعنا من رؤية تلك الروابط الممتدة بين كل شيء، بدءًا مما يكمن داخلنا وحتى الآفاق اللانهائية للكون. وبينما قد تحتاج العبارة السابقة إلى بعض إسهاب وتبسيط وشرح، فإني أرى العلاقة بين الموسيقى والفنون البصرية علاقة بسيطة وغالبًا ما تكون أكثر مباشرة. وهكذا، أجد من الطبيعي خلال تدريس إحداهما أن أشير إلى الأخرى، بل أجده ضروريًا لتقديم الأفكار بوضوح ودون حصرٍ لتجلياتها في شكل واحد.

٢- هلا شاركتنا بعض الأفكار حول تداخل الموسيقى والفنون البصرية، والكيفية التي يعزز بها هذا الامتزاج صوتك الإبداعي؟

كثيرًا ما يتخلل نقاشي مع زملائي حول مقطوعة موسيقية نعمل عليها نوعٌ من المقارنات بين التغيرات الديناميكية للموسيقى والمناظر الطبيعية، مثل انهيار أرضي غير متوقع أو انكشاف مفاجئ للشمس بين سحاب كثيف قاتم، أو نعومة أشعة الضوء المتسللة من بين أشجار الغابة العالية. وبفضل هذه الصور لا تغدو الموسيقى مجرد سلسلة من النغمات، بل تصبح أقرب إلى صورة عضوية للحياة. يمكنني ضرب مثال آخر بأحد المساحات التي صممتها في فيلم "مشكلات الطوطم" من مجموعة كيزازي موتو الخاصة بديزني+، كانت تلك المساحة قاعة احتفالية واسعة يتوسطها ما يشبه شلال طويل. وخلال العمل على هذه المساحة، فكرت في تصميم العناصر التي ستخدمه جماليًا وتنتج في الوقت نفسه نوعية الأصوات التي ستشكل القاعدة الأساس للموسيقى التصويرية. وهكذا لن يمتزج الصوت بالصورة، ويغدو مكان سير الأحداث أكثر واقعية وتماسكًا.

٣- اذكر لنا بعض التحديات التي تواجهك عند محاولة تحقيق التوازن بين مجالاتك الإبداعية المختلفة؟

هناك طبيعة النظرة إلى الوقت، وتأثيره علينا وعلى مراحل تطورنا. ففي زمننا هذا، قد نجد في أنفسنا رغبة لحوحه في الوصول إلى مكانة معينة. وللأسف، قد يتسبب ذلك في إلهاء يعطلنا عن الرحلة، خاصة عندما تكون مساعينا مدفوعة بالخوف والأنا، لا الرغبة في الاستكشاف والتعرف على العجائب والجمال المتأصل في الكون. كما أن هناك تحدٍ يتعلق بالقوالب التي يضعنا فيها الآخرون. على سبيل المثال، في حالتي أنا، يُتوقع مني بعض الناس لعب دور معين لا غير. قد يكون ذلك عازف جيتار، أو خطاط أو فنان مفاهيم أو مهندس معماري. أعتقد أن الحرص على موافقة رغبات الجميع لا بد أن يخيب الآمال إن عاجلًا أو آجلًا لمجموعة أو أخرى، ناهيك بآمالي الشخصية بالطبع. وقبل كل ذلك، سيكون ذلك عمل يفتقر إلى الأصالة والصدق.

٤- ما أشد جوانب التدريس والتوجيه إمتاعًا؟ وما نصيحتك للطامحين في سلك مسار وظيفي مماثل؟

من الممتع مساعدة الآخرين في اكتساب رؤيتهم الفريدة، ومنحهم فرصة صنع شيء ما، سواء للمتعة الشخصية أو لصالح البيئة المحيطة. ونشر مثل هذه الطاقة الكاشفة هو ما يجعلني أشعر بقيمتي في العالم. أما نصيحتي الرئيسية لمن على وشك البدء ولأي شخص بوجه عام: تعلم من الأساتذة - وأعني الأساتذة الذين تختارهم أنت. وبمرور الوقت ستتطور مهاراتك وتتجاوز هؤلاء الذين تكن لهم الاحترام، وتقترب من فهم رؤيتك الخاصة وتحقيقها. ولتحاول على الدوام التوصل إلى فهم أعمق لذاتك.

٥- هل واجهت مسيرتك المهنية تحديات إبداعية، وكيف تغلبت عليها؟

كان التحدي الأكبر الذي واجهته أكثر من مرة هو إقناع زملاء الفريق برفض الحلول السهلة والسعي نحو التفرد، وعادة ما أتغلب عليه بالعرض المقنع للأفكار. إذ أمضي ساعات إضافية لإنشاء عرض توضيحي لرؤيتي. ويكشف هذا للجميع لمحة عما يمكن تحقيقه، وتكون ردة الفعل عادةً "آه الآن فهمت!". وحينئذ يدب فيهم الحماس ويقتنعون.

٦- إن كنت لتتخيل مشروع أحلامك الجامع بين فن المفاهيم والإخراج الفني والموسيقى، كيف ستكون أجوائه؟

فيلم تنغمس فيه. سيكون أشبه بخلق مساحة أو حياة بديلة للمشاهد، محاولة لتحقيق أحلام الجميع، حيث يمكن للمشاهد اختيار ما يشاء، سيكون حر في متابعة الخط الرئيسي أو التجوال بحرية في الأرجاء الشاسعة.

٧- ما نصيحتك للفنانين والمبدعين الطامحين والساعين إلى الموازنة بين الفن والموسيقى والتدريس في مسارهم المهني؟

إياكم والاستسلام للخوف من عدم تحقيق مكانة مرجوة ما، لأن الاستمتاع بمختلف التخصصات قد يؤثر على تطورك فيها.

٨- في رأيك، كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على دور فنان المفاهيم؟

الذكاء الاصطناعي أداة تستحق الاستكشاف. نعم، قد يغني تلك التقنية البعض عن الاستعانة برؤوسكم وقلوبكم وأيديكم، ولكن، أقولها ثانية، هذه هي الطبيعة المحزنة للعديد من التطورات التكنولوجية الهادفة إلى توفير مزيد من الراحة لنا؛ فإذا بها تضعف مهاراتنا في كثير من النواحي، وتزيدنا انفصالًا عن الطبيعة والحقيقة. هكذا كان الحال مع التلفزيون والإنترنت على سبيل المثال. لكن بمرور الوقت، يصبح الجدل حول الفوائد والأضرار زائدًا عن الحاجة وعديم الفائدة نسبيًا، حيث يصبح الشيء المعني جزءًا لا يتجزأ من حياتنا العامة ولا مفر منه تقريبًا.

٩- كيف تحمي حقوقك الفكرية وأعمالك الأصلية في عصر الذكاء الاصطناعي؟

 في هذه اللحظة، لا أفعل شيئًا! فلا أميل عامة إلى التفكير كثيرًا في هذا الأمر. سواء كان ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي أم لا، فإن عرض أعمالنا -وأنفسنا- عبر الإنترنت يعرضنا للخطر بلا شك. ومع ذلك، نقول جميعًا إننا "قرأنا شروط الإتفاق" و"وافقنا عليها". كل ما نقوم به على الإنترنت يخضع للتعقب، بصورة لا شك أنها لن ترضينا. ولهذا السبب لا يقلقني هذا الموضوع على الإطلاق، فلن يمنعني ذلك كله من مواصلة الإبداع على نحو ممتع ومثرٍ روحيًا لي.

١٠- ما أكبر عقبة واجهتك خلال العمل على "مشكلات الطوطم"؟

إعادة توجيه طاقتي لخدمة الرؤية الإبداعية المحددة للفيلم، والتخلي عن أي تصورات مسبقة لدي حول الفيلم سواء على مستوى الشكل أو الشعور. ففي مثل هذه المواقف قد يجد المرء نفسه مدفوعًا إلى إثبات وجهة نظره أو تنفيذها، في حين يتوجب عليه المشاركة بصورة بناءة في الصورة الأكبر.

١١- كيف ستؤثر تجربتك مع "مشكلات الطوطم" على مقاربتك المستقبلية لفن المفاهيم (Concept Art)؟

لا شك أنني ازددت وعيًا بطريقة سريان العمل في المشاريع الضخمة. ربما لن أتمكن من تحديد كل ما استفدته في الوقت الحالي ولعلي لست مدركًا لمدى تأثير ذلك على مقاربتي للمشاريع المستقبلية، لكني واثق أن ما تعلمته في هذه التجربة سيثمر في حينه.

١٢- ما تقييمك لتجربتك مع فيلم "مشكلات الطوطم"؟

تجربة ثرية وملهمة. كما أقدر -بلا شك- المساحة التي منحها لي المخرج الفني أحمد جمال عرفة. على سبيل المثال، إذا كلفت بتصميم مبنى فإني أتخيلني متجولًا داخل المبنى وخارجه وحوله؛ أستمع إلى ما يصدر هناك من أصوات، وأبتكر قصصًا عما يجري هناك. ومثل هذه الأفكار لن تظهر بالضرورة في التصميم النهائي بشكل واضح، لكنها تساعدني في بلوغ غايتي، إلى جانب ما تضيفه من إمتاع على وقتي خلال العمل!

١٣- هلا حدثتنا عن مصادر استلهمت منها مفاهيمك الفريدة في أحد المشاريع؟

فيليب جلاس! وهذه مساحة أخرى تتشابك فيها الموسيقى والبصريات في عالمي: بينما يمكن لمصدر الإلهام الصريح في مشروع مثل هذا أن يكون بعض المراجع البصرية من سياقات ذات صلة، إلا أن الموسيقى كانت عندي على الدوام مصدر الإلهام المختلف وغير المباشر. إن تأثير الموسيقى علي في مثل هذه السيناريوهات يشبه إلى حد كبير وخز الجلد بالإبر لجعله أكثر حساسية للمحاليل. والموسيقى التي استمع إليها أثناء العمل -وقد يستغرق اختيارها أحيانًا فترة من الوقت- تفتح شيئًا بداخلي. يمكننا القول -مجازًا- أنها تفتح مسام عقلي، وعند هذه النقطة أجدني أعمق فهمًا للمراجع البصرية. علاوة على ذلك، تمكني هذه الطريقة من التعمق داخل نفسي واستخراج أفكار كانت كامنة هناك. ففي كثير من الأحيان تنبع أفكاري من مساحة ما في داخلي. أعتقد أن التعمق في النفس يربطني بشبكة إبداعية واسعة وأثيرية تحكم جميع المساعي الإبداعية. وموسيقى فيليب جلاس عندي هي ما يمكّنني عادةً من إنشاء هذا الارتباط الرائع.

قد يرى البعض الحياة أحجار بناء منفصلة مكدسة فوق بعضها، لكن الحياة والفن -من وجهة نظر طارق عبد القوي- أشبه باندماج لعناصر وقنوات مختلفة تلتقي أحيانًا في منتصف الطريق. وخلال لقائنا هذا، ألقينا نظرة على النهج التفاعلي الذي يمزج به عقل طارق بين الوسائط مختلفة.


تلخيصًا لهذا اللقاء، بدأ اللقاء مع طارق عبد القوي بالحديث عن تنقله بين الوسائط الإبداعية المختلفة. فهو يرى الروابط الممتدة بين التخصصات، ويبهره حضورها الدائم وتعقيدها الذي يشكل نسيجًا مبدعًا وخلاق. لكن مع مثل هذا الشغف الذي يدفعه إلى الغوص في مختلف المجالات الإبداعية، يصعب توفير الوقت أمرًا صعبًا. يرى طارق أن أفضل حل لتلك المشكلة هو تنظيم الوقت وتحديد الأدوار ذات الأولوية، وإلا غدونا ضحايا لتوقعات الناس المستحيل تنفيذها جميعًا، ناهيك بخسارة ما نريد فعله حقًا. لا يكتفي طارق بممارسة الفن، إذ يمتهن تدريسه أيضًا، ويستمتع بمساعدة طلابه في تطوير أسلوبهم ورؤيتهم الخاصة. وبالطبع، ما كنا لنفوت الفرصة للحديث عن عالم الذكاء الاصطناعي، لكن من الواضح أن طارق لا يخشى ذلك كثيرًا. فرغم اعترافه بأنه يجعلنا أكثر انفصالًا واعتمادية، إلا أنه سرعان ما سيصبح جزءًا لا يتجزأ من أسلوب حياتنا، لذا فهو يستحق الاستكشاف والتوظيف. بعد ذلك انتقلت دفة الحديث إلى "مشكلات الطوطم"، وقد أبدى طارق -فنان المفوم الرئيسي في الفريق- اهتمامًا كبيرًا بالتفاصيل، حيث أنتج تصميمات تموج فيها الحياة. وقد كافح في البداية للعمل وفق الرؤية المحددة للفيلم، وتجاهل أفكاره وانطباعاته المسبقة. وقد ساعد هذا في رفع وعيه بما تستلزمه مثل هذه المشاريع الضخمة، كما أفاده بطرق ستظهر ثمرتها في مشاريعه المستقبلية. أخيرًا، كشف لنا طارق عن مصدر الإلهام في أعماله، ألا وهو موسيقى فيليب جلاس، قائلًا إنها "تفتح مسام دماغه" وتساعده على الغوص داخل "شبكته الإبداعية الداخلية" والتواصل معها.



نواصل الغوص في عقول فنانينا المبدعين، ولقاء هذا الشهر مع الفنان طارق عبد القوي، مصمم الجرافيك والرسام الذي أكسبته أعماله الجذابة شهرة ورواجًا قل مثيلهما في السوق.

شكل طارق عبد القوي -الفنان الحائز على الجوائز- إضافة إبداعية لفريق عمل فيلم مشكلات الطوطم الخاص بشركة ديزني، حيث كان فنان المفاهيم الرئيسي (Leading Concept Artist) للبصريات المستوحاة من الثقافة الإفريقية في الفيلم القصير. اشتهر طارق بأعماله زاهية الألوان المفعمة بالحيوية، وقد استطاع حفظ التوازن بين الألوان والأنماط والروح فأنتج تصورًا نموذجيًا للشخصيات وبيئتها. وفيما يلي حوار معه يحوي مزيدًا من التفصيل حول تجربته.

١- كيف تؤثر مجالات إبداعك المختلفة (مثل الموسيقى والفنون البصرية والتدريس) على بعضها، وكيف تؤثر على رحلتك الفنية بشكل عام؟ 

نادرًا ما أتناول وسيطًا دون استكشاف تأثيره على غيره. فلطالما فتنتُ بأوجه التشابه بين مجالات تبدو مختلفة ظاهريًا، وأعتقد أننا -نحن البشر- قد نسينا أن الأشياء جميعًا ترتبط ببعضها، أو لعل اعتيادنا عليها يمنعنا من رؤية تلك الروابط الممتدة بين كل شيء، بدءًا مما يكمن داخلنا وحتى الآفاق اللانهائية للكون. وبينما قد تحتاج العبارة السابقة إلى بعض إسهاب وتبسيط وشرح، فإني أرى العلاقة بين الموسيقى والفنون البصرية علاقة بسيطة وغالبًا ما تكون أكثر مباشرة. وهكذا، أجد من الطبيعي خلال تدريس إحداهما أن أشير إلى الأخرى، بل أجده ضروريًا لتقديم الأفكار بوضوح ودون حصرٍ لتجلياتها في شكل واحد.

٢- هلا شاركتنا بعض الأفكار حول تداخل الموسيقى والفنون البصرية، والكيفية التي يعزز بها هذا الامتزاج صوتك الإبداعي؟

كثيرًا ما يتخلل نقاشي مع زملائي حول مقطوعة موسيقية نعمل عليها نوعٌ من المقارنات بين التغيرات الديناميكية للموسيقى والمناظر الطبيعية، مثل انهيار أرضي غير متوقع أو انكشاف مفاجئ للشمس بين سحاب كثيف قاتم، أو نعومة أشعة الضوء المتسللة من بين أشجار الغابة العالية. وبفضل هذه الصور لا تغدو الموسيقى مجرد سلسلة من النغمات، بل تصبح أقرب إلى صورة عضوية للحياة. يمكنني ضرب مثال آخر بأحد المساحات التي صممتها في فيلم "مشكلات الطوطم" من مجموعة كيزازي موتو الخاصة بديزني+، كانت تلك المساحة قاعة احتفالية واسعة يتوسطها ما يشبه شلال طويل. وخلال العمل على هذه المساحة، فكرت في تصميم العناصر التي ستخدمه جماليًا وتنتج في الوقت نفسه نوعية الأصوات التي ستشكل القاعدة الأساس للموسيقى التصويرية. وهكذا لن يمتزج الصوت بالصورة، ويغدو مكان سير الأحداث أكثر واقعية وتماسكًا.

٣- اذكر لنا بعض التحديات التي تواجهك عند محاولة تحقيق التوازن بين مجالاتك الإبداعية المختلفة؟

هناك طبيعة النظرة إلى الوقت، وتأثيره علينا وعلى مراحل تطورنا. ففي زمننا هذا، قد نجد في أنفسنا رغبة لحوحه في الوصول إلى مكانة معينة. وللأسف، قد يتسبب ذلك في إلهاء يعطلنا عن الرحلة، خاصة عندما تكون مساعينا مدفوعة بالخوف والأنا، لا الرغبة في الاستكشاف والتعرف على العجائب والجمال المتأصل في الكون. كما أن هناك تحدٍ يتعلق بالقوالب التي يضعنا فيها الآخرون. على سبيل المثال، في حالتي أنا، يُتوقع مني بعض الناس لعب دور معين لا غير. قد يكون ذلك عازف جيتار، أو خطاط أو فنان مفاهيم أو مهندس معماري. أعتقد أن الحرص على موافقة رغبات الجميع لا بد أن يخيب الآمال إن عاجلًا أو آجلًا لمجموعة أو أخرى، ناهيك بآمالي الشخصية بالطبع. وقبل كل ذلك، سيكون ذلك عمل يفتقر إلى الأصالة والصدق.

٤- ما أشد جوانب التدريس والتوجيه إمتاعًا؟ وما نصيحتك للطامحين في سلك مسار وظيفي مماثل؟

من الممتع مساعدة الآخرين في اكتساب رؤيتهم الفريدة، ومنحهم فرصة صنع شيء ما، سواء للمتعة الشخصية أو لصالح البيئة المحيطة. ونشر مثل هذه الطاقة الكاشفة هو ما يجعلني أشعر بقيمتي في العالم. أما نصيحتي الرئيسية لمن على وشك البدء ولأي شخص بوجه عام: تعلم من الأساتذة - وأعني الأساتذة الذين تختارهم أنت. وبمرور الوقت ستتطور مهاراتك وتتجاوز هؤلاء الذين تكن لهم الاحترام، وتقترب من فهم رؤيتك الخاصة وتحقيقها. ولتحاول على الدوام التوصل إلى فهم أعمق لذاتك.

٥- هل واجهت مسيرتك المهنية تحديات إبداعية، وكيف تغلبت عليها؟

كان التحدي الأكبر الذي واجهته أكثر من مرة هو إقناع زملاء الفريق برفض الحلول السهلة والسعي نحو التفرد، وعادة ما أتغلب عليه بالعرض المقنع للأفكار. إذ أمضي ساعات إضافية لإنشاء عرض توضيحي لرؤيتي. ويكشف هذا للجميع لمحة عما يمكن تحقيقه، وتكون ردة الفعل عادةً "آه الآن فهمت!". وحينئذ يدب فيهم الحماس ويقتنعون.

٦- إن كنت لتتخيل مشروع أحلامك الجامع بين فن المفاهيم والإخراج الفني والموسيقى، كيف ستكون أجوائه؟

فيلم تنغمس فيه. سيكون أشبه بخلق مساحة أو حياة بديلة للمشاهد، محاولة لتحقيق أحلام الجميع، حيث يمكن للمشاهد اختيار ما يشاء، سيكون حر في متابعة الخط الرئيسي أو التجوال بحرية في الأرجاء الشاسعة.

٧- ما نصيحتك للفنانين والمبدعين الطامحين والساعين إلى الموازنة بين الفن والموسيقى والتدريس في مسارهم المهني؟

إياكم والاستسلام للخوف من عدم تحقيق مكانة مرجوة ما، لأن الاستمتاع بمختلف التخصصات قد يؤثر على تطورك فيها.

٨- في رأيك، كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على دور فنان المفاهيم؟

الذكاء الاصطناعي أداة تستحق الاستكشاف. نعم، قد يغني تلك التقنية البعض عن الاستعانة برؤوسكم وقلوبكم وأيديكم، ولكن، أقولها ثانية، هذه هي الطبيعة المحزنة للعديد من التطورات التكنولوجية الهادفة إلى توفير مزيد من الراحة لنا؛ فإذا بها تضعف مهاراتنا في كثير من النواحي، وتزيدنا انفصالًا عن الطبيعة والحقيقة. هكذا كان الحال مع التلفزيون والإنترنت على سبيل المثال. لكن بمرور الوقت، يصبح الجدل حول الفوائد والأضرار زائدًا عن الحاجة وعديم الفائدة نسبيًا، حيث يصبح الشيء المعني جزءًا لا يتجزأ من حياتنا العامة ولا مفر منه تقريبًا.

٩- كيف تحمي حقوقك الفكرية وأعمالك الأصلية في عصر الذكاء الاصطناعي؟

 في هذه اللحظة، لا أفعل شيئًا! فلا أميل عامة إلى التفكير كثيرًا في هذا الأمر. سواء كان ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي أم لا، فإن عرض أعمالنا -وأنفسنا- عبر الإنترنت يعرضنا للخطر بلا شك. ومع ذلك، نقول جميعًا إننا "قرأنا شروط الإتفاق" و"وافقنا عليها". كل ما نقوم به على الإنترنت يخضع للتعقب، بصورة لا شك أنها لن ترضينا. ولهذا السبب لا يقلقني هذا الموضوع على الإطلاق، فلن يمنعني ذلك كله من مواصلة الإبداع على نحو ممتع ومثرٍ روحيًا لي.

١٠- ما أكبر عقبة واجهتك خلال العمل على "مشكلات الطوطم"؟

إعادة توجيه طاقتي لخدمة الرؤية الإبداعية المحددة للفيلم، والتخلي عن أي تصورات مسبقة لدي حول الفيلم سواء على مستوى الشكل أو الشعور. ففي مثل هذه المواقف قد يجد المرء نفسه مدفوعًا إلى إثبات وجهة نظره أو تنفيذها، في حين يتوجب عليه المشاركة بصورة بناءة في الصورة الأكبر.

١١- كيف ستؤثر تجربتك مع "مشكلات الطوطم" على مقاربتك المستقبلية لفن المفاهيم (Concept Art)؟

لا شك أنني ازددت وعيًا بطريقة سريان العمل في المشاريع الضخمة. ربما لن أتمكن من تحديد كل ما استفدته في الوقت الحالي ولعلي لست مدركًا لمدى تأثير ذلك على مقاربتي للمشاريع المستقبلية، لكني واثق أن ما تعلمته في هذه التجربة سيثمر في حينه.

١٢- ما تقييمك لتجربتك مع فيلم "مشكلات الطوطم"؟

تجربة ثرية وملهمة. كما أقدر -بلا شك- المساحة التي منحها لي المخرج الفني أحمد جمال عرفة. على سبيل المثال، إذا كلفت بتصميم مبنى فإني أتخيلني متجولًا داخل المبنى وخارجه وحوله؛ أستمع إلى ما يصدر هناك من أصوات، وأبتكر قصصًا عما يجري هناك. ومثل هذه الأفكار لن تظهر بالضرورة في التصميم النهائي بشكل واضح، لكنها تساعدني في بلوغ غايتي، إلى جانب ما تضيفه من إمتاع على وقتي خلال العمل!

١٣- هلا حدثتنا عن مصادر استلهمت منها مفاهيمك الفريدة في أحد المشاريع؟

فيليب جلاس! وهذه مساحة أخرى تتشابك فيها الموسيقى والبصريات في عالمي: بينما يمكن لمصدر الإلهام الصريح في مشروع مثل هذا أن يكون بعض المراجع البصرية من سياقات ذات صلة، إلا أن الموسيقى كانت عندي على الدوام مصدر الإلهام المختلف وغير المباشر. إن تأثير الموسيقى علي في مثل هذه السيناريوهات يشبه إلى حد كبير وخز الجلد بالإبر لجعله أكثر حساسية للمحاليل. والموسيقى التي استمع إليها أثناء العمل -وقد يستغرق اختيارها أحيانًا فترة من الوقت- تفتح شيئًا بداخلي. يمكننا القول -مجازًا- أنها تفتح مسام عقلي، وعند هذه النقطة أجدني أعمق فهمًا للمراجع البصرية. علاوة على ذلك، تمكني هذه الطريقة من التعمق داخل نفسي واستخراج أفكار كانت كامنة هناك. ففي كثير من الأحيان تنبع أفكاري من مساحة ما في داخلي. أعتقد أن التعمق في النفس يربطني بشبكة إبداعية واسعة وأثيرية تحكم جميع المساعي الإبداعية. وموسيقى فيليب جلاس عندي هي ما يمكّنني عادةً من إنشاء هذا الارتباط الرائع.

قد يرى البعض الحياة أحجار بناء منفصلة مكدسة فوق بعضها، لكن الحياة والفن -من وجهة نظر طارق عبد القوي- أشبه باندماج لعناصر وقنوات مختلفة تلتقي أحيانًا في منتصف الطريق. وخلال لقائنا هذا، ألقينا نظرة على النهج التفاعلي الذي يمزج به عقل طارق بين الوسائط مختلفة.


تلخيصًا لهذا اللقاء، بدأ اللقاء مع طارق عبد القوي بالحديث عن تنقله بين الوسائط الإبداعية المختلفة. فهو يرى الروابط الممتدة بين التخصصات، ويبهره حضورها الدائم وتعقيدها الذي يشكل نسيجًا مبدعًا وخلاق. لكن مع مثل هذا الشغف الذي يدفعه إلى الغوص في مختلف المجالات الإبداعية، يصعب توفير الوقت أمرًا صعبًا. يرى طارق أن أفضل حل لتلك المشكلة هو تنظيم الوقت وتحديد الأدوار ذات الأولوية، وإلا غدونا ضحايا لتوقعات الناس المستحيل تنفيذها جميعًا، ناهيك بخسارة ما نريد فعله حقًا. لا يكتفي طارق بممارسة الفن، إذ يمتهن تدريسه أيضًا، ويستمتع بمساعدة طلابه في تطوير أسلوبهم ورؤيتهم الخاصة. وبالطبع، ما كنا لنفوت الفرصة للحديث عن عالم الذكاء الاصطناعي، لكن من الواضح أن طارق لا يخشى ذلك كثيرًا. فرغم اعترافه بأنه يجعلنا أكثر انفصالًا واعتمادية، إلا أنه سرعان ما سيصبح جزءًا لا يتجزأ من أسلوب حياتنا، لذا فهو يستحق الاستكشاف والتوظيف. بعد ذلك انتقلت دفة الحديث إلى "مشكلات الطوطم"، وقد أبدى طارق -فنان المفوم الرئيسي في الفريق- اهتمامًا كبيرًا بالتفاصيل، حيث أنتج تصميمات تموج فيها الحياة. وقد كافح في البداية للعمل وفق الرؤية المحددة للفيلم، وتجاهل أفكاره وانطباعاته المسبقة. وقد ساعد هذا في رفع وعيه بما تستلزمه مثل هذه المشاريع الضخمة، كما أفاده بطرق ستظهر ثمرتها في مشاريعه المستقبلية. أخيرًا، كشف لنا طارق عن مصدر الإلهام في أعماله، ألا وهو موسيقى فيليب جلاس، قائلًا إنها "تفتح مسام دماغه" وتساعده على الغوص داخل "شبكته الإبداعية الداخلية" والتواصل معها.